الخميس، 13 يناير 2011

خفافيش الأزمات في مصر

خفافيش الأزمات في مصر

نسخة من موقع مفكرة الإسلام

لمنح تأتي من المحن؛ هكذا قال الحكماء قديماً، فالمحن والأزمات رغم ما فيها من بلاء ومشاق وآلام، إلا أنها في النهاية تبقي زاخرة بالدروس والعبر والعظات التي تصبح فيما بعد رصيداً للتجربة عبر الأجيال يساوي وزنه ذهباً، المحن والابتلاءات مثل الكشاف الذي يلقي الضوء علي الأجزاء المظلمة في حياتنا، وتكشف لنا عن الأعداء الحقيقيين الذين يعيشون بين أظهرنا، يلبسون شعارنا، ويأكلون خيرات بلادنا، ثم هم في حقيقة أمرهم أشد الناس عداوة لهذا البلد ولهذه المجتمعات، هؤلاء الأعداء مثل الخفافيش التي تعيش في ظلام الكهوف تنتظر اللحظة المناسبة للانقضاض علي جراح الأمة ودمائها النازفة، لتقتات علي تلك الدماء، وكلما وقعت في البلد أزمة انطلقت خفافيش الظلام، وراحت تنكأ جراح الأزمة لتزيدها عمقاً، وتزيدها نزفاً، لأنه كلما زاد النزف كلما زادت المنافع والمطاعم والغنائم، فهم أولاً وأخيراً خفافيش لا تسعي إلا للدماء والأزمات.
إعلام الأزمة وأزمة الإعلام:
أجهزة الإعلام من أهم أدوات تشكيل الوعي والرأي العام في عالمنا المعاصر، فالغالبية العظمى من الشعوب تتلقى معلوماتها وثقافتها من وسائل الإعلام بشتى أنواعها، بل إن وسائل الإعلام في عهد ثورة المعلومات والتقدم التقني الواسع في مجال نقلها، قد أصبحت من أهم وأبلغ وسائل التأثير والإقناع، والخلطة السحرية للسيطرة علي الشعوب تمكن في إحكام القبضة علي ثلاث وزارات معينة وهي: الإعلام والتعليم والأمن الداخلي، مع العلم بأن غالبية الدول المتقدمة لا يوجد بها ما يُسمى بوزارة الإعلام، فالحرية والاحترافية هي شعار العمل الإعلامي في تلك البلاد، ومن ذلك يتضح أن الإعلام لم يُعد مهتماً بصياغة ونقل الحدث فقط، وإنما أصبح جزءاً من الحدث ذاته، يلون المعلومات ويُعيد إنتاجها وفقاً لرؤيته، وبالتالي فقد يتسبب أحياناً في ظهور حالة من الفوضى وعدم الجدية في التعامل مع قضايا من شأنها أن تؤثر في حالة الاستقرار داخل المجتمع.
في وقت الأزمات لابد للإعلام أن يضطلع بدوره المنوط به في توعية المواطنين، وإرشادهم نحو حقيقة هذه الأزمة وأبعادها وخلفياتها ودوافعها وآثارها في منظومة متكاملة من المعلومات التي تصاغ بصورة حيادية ونزيهة وشفافة من أجل الوصول لاتخاذ القرار الصائب والتحرك السليم خلال الأزمة، ومنذ أكثر من أربعة عقود والعالم الغربي يتحدث عن دور الإعلام خلال الأزمات، حتى أصبح فناً مستقلاً في دراسة الإعلام له نظرياته وآراؤه ومبادئه وآلياته، وبرز هذا الفن جلياً منذ حرب الخليج الأولي سنة 1991، عندما راحت قناة الـ CNN الأمريكية تبث علي العالم بأسره وخصوصاً الإسلامي والعربي ما تريد أن تبثه من معلومات وأخبار ساهمت كثيراً في سير الحرب وانتهائها بالصورة التي عرفناها جميعاً.
أما في بلادنا العربية والإسلامية مازال الإعلام خاضعاً في مجمله للإرادة السياسة، والتوجهات الرسمية يعبر في معظم الأحوال عما تريده الأنظمة والحكومات، أي أنه إعلام مُسيس يخضع لكثير من الضغوط والخطوط الحمراء التي تعيق دوره وتجعله مكبلاً باهتاً سطحياً غير حيادي، في أغلب تغطياته الإعلامية.
ولكن أخطر ما في منظومة الإعلام في بلادنا العربية والإسلامية، أن معظم هذه الوسائل والنوافذ الإعلامية في يد غلاة العلمانيين، من الذين تشربت قلوبهم وصدورهم وعقولهم بكره الإسلام وأفكاره ومبادئه وعقائده ونظمه، ويرفضون التصور الإسلامي ومنهجه بالكلية في إدارة شؤون الحياة، الإعلام في بلادنا في يد حفنة من العلمانيين الذين فاقوا علماني الغرب ضراوة ومحاربة للإسلام، وهؤلاء العلمانيون يعلمون بمدى رفض الشعوب والمجتمعات الإسلامية والعربية لأفكارهم وآرائهم ونظمهم وما يدعون إليه، وهم أولاً وأخيراً في بلاد إسلامية لا يستطيعون أن يجهروا بما في صدورهم من فساد وانحراف وعلمانية شرسة تفوق نظيرتها الغربية، لذلك فهم يستغلون أمثال هذه الأزمات للنيل من ثوابت الإسلام وعقائده وقيمه ومبادئه ومناهجه ونظمه.

عندما وقعت كارثة الإسكندرية كان يفترض من القائمين علي وسائل الإعلام أن يكونوا على مستوى الحدث الجلل، ويتصدون لشرح أبعاده ودوافعه وأسبابه وآثاره، ويستضيفون الخبراء والمتخصصين لوضع روشتة العلاج للخروج من هذه الأزمة، ولكن العكس هو الذي حدث تماماً حيث راحت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة تتسابق فيما بينها، أيها أشد بكاءً وعويلاً ولطماً للخدود وشقاً للجيوب، راحت تتسابق علي تقديم الاعتذارات والتنازلات وطلب العفو والسماح من الأقباط علي ما جرى لهم، وذلك بدون أي مبرر لكل هذه المظاهرة المهينة علي أبواب الكنائس، وعتبات الأديرة، من أجل نيل الرضا من قوم لن يرضوا أبداً لأن لهم حساباتهم الخاصة ومخططاتهم المعدة سلفاً.
التناول الإعلامي خلال أزمة الإسكندرية تميز بكثير من السطحية والسذاجة والاعتذار عما لم يفعله المسلمون ولا المصريون، ولأن كثرة الاعتذار تسقط المقدار، فقد ازداد المتطرفون والمتعصبون في غيهم، وجهروا بالسب والشتم للإسلام والمسلمين ولرموز الدولة الرسمية والدينية من أكبرها لأصغرها، ولم يستثن أحد من السب والشتم والتطاول، بعد أن سمحت وأدت الممارسات الإعلامية الفجة لإحكام التهمة علي المسلمين وذلك قبل أن يتوصل لأي شيء يفيد التحقيق ويتعرف به علي الجناة، بل إن معظم الأدلة حتى الآن تقود لتنظيم قبطي متطرف من أقباط المهجر مع دعم لوجستي من الموساد الإسرائيلي، ولكن وسائل الإعلام من حيث تدري أو لا تدري ألقت التهمة علي المسلمين، وألزمت الجميع الإدانة ووجوب تقديم الاعتذارات.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى راح كل كاره وحاقد علي الإسلام يبث أحقاده الدفينة وسمومه تجاه الإسلام ومناهجه، وخرج العلمانيون من جحورهم، مثل خفافيش الظلام المصاصة للدماء، وانطلقت الدعوات المنادية بمحاربة التطرف الإسلامي، وتعريفهم لهذا التطرف لا يفرق كثيراً عن تعريفهم للإسلام نفسه، فبعضهم نادى بوجوب تغيير مناهج التعليم وتنقيتها من المواد المثيرة للفتنة، ويقصد بهذا حذف مادة الدين الإسلامي من المناهج برمتها، بحيث لا يكون فيها نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية تماماً، وكأن هذه المناهج ليست محرفة مشوهة من قبل عدة مرات (راجع ما كتبناه في مقالة إعدام التربية الدينية علي الموقع)، والبعض الآخر راح ينادي بغلق المساجد ومحاربة السنة ممثلة في اللحية والنقاب والحجاب، والبعض اقترح دخول الكنائس والصلاة مع الأقباط يوم عيدهم، والبعض اقترح حذف مادة الديانة من بطاقات الهوية، والبعض اقترح مراقبة خطباء الجمعة وإلزامهم بمواضيع معينة وفي وقت معين، مع غلق كل المساجد والزوايا التي تعمل بصورة تطوعية، والبعض اقترح غلق كل الفضائيات الإسلامية ومنع كل شيوخ الدعوة وخصوصاً الدعوة السلفية من العمل في الدعوة، بل والزج بهم في السجون، والبعض اقترح بتعديلات واسعة في بناء الكنائس بحيث يكون في كل شارع كنيسة كما هو الحال مع المساجد، بل تطاول البعض ودعا لفتح الباب لزواج الأقباط من المسلمات، ومنع إسلام أي من الأقباط إلا بموافقة شنودة شخصياً، والخلاصة أنها اقتراحات في مجملها تمثل هدماً كاملاً للدين الإسلامي وتضييعاً شاملاً للمجتمعات الإسلامية وقضاءً مبرماً للهوية الإسلامية والعربية للمجتمع المصري.
العجيب أن وسائل الإعلام ما زالت تردد هذا الكلام الخطير وتنشره بصورة واسعة وهي لا تدري عواقب مثل هذه الاقتراحات العلمانية الفجة وما يترتب عليها من آثار، فإن هذه الاقتراحات لا تزيد الأزمة إلا تأزماً واشتعالاً، فهذه الاقتراحات ستؤدي حتماً لا محالة إلي فتنة طائفية عاتية تأكل الأخضر واليابس، فالشعب المصري رغم كل هذه الحملات الإعلامية والمظاهرات الاستعراضية، مازال شعباً مسلماً متمسكاً بدينه، معتزاً بعقيدته وهويته لأقصى درجة، ولن يسمح المسلمون أبداً بأمثال هذه التجاوزات والانحرافات في عقيدتهم ودينهم، ولن يرضوا من الأقباط أو غيرهم مهما كانت مصيبتهم أو الكارثة التي نزلت بهم أن يتطاولوا علي الدين وثوابته وقيمه أو أن تخرج الدعوات المنادية بتغيير مناهجه وأفكاره، لن يعجبهم أبداً هذا التطرف القبطي والجهر بالسوء من رجال الكنيسة وأتباعها، كما أنهم سيتذمرون بشدة من تنازلات الحكومة وانبطاحها وانحنائها أمام المطالب القبطية وسلطة الكنيسة في ظل شنودة، وكل هذه التداعيات حتماً ولابد أن تكون متوقعة في ظل السياسة الإعلامية المعوجة التي تمارسها وسائلنا الإعلامية في وقت الأزمات.
المصيبة الحقيقية:
وأخيراً نقول أن المصيبة الحقيقية والكبيرة في هذه الحادثة، هي تعرض عقيدة الولاء والبراء للطعن والهجوم كل يوم منذ أن وقعت هذه الكارثة، فمعظم هذه الاقتراحات والحلول التي قدمتها وسائل الإعلام في بلادنا ما هي إلا تمييعاً وتضييعاً لعقيدة الولاء والبراء التي قام عليها الدين وانتظم بها سلك الأمة، وعرفت بها عدوها من صديقها، حتى أصبح الحديث عنها بمثابة الخطوط الحمراء التي لا يجوز الاقتراب منها، وأصبحت الآن في نظر العلمانيين وغيرهم من أسباب تفريق الشعوب وتكدير السلام الاجتماعي ونشر الفتنة الطائفية، وقد رفع الصليب مع المصحف سواء بسواء في المظاهرات الاستعراضية، في إشارة واضحة أنه لا فرق بين مسلم ونصراني كما أنه لا فرق بين مصحف وصليب، بل وصل الأمر لانطلاق الفتاوى المبيحة لهذه الفعلة من جانب بعض المنتسبين لجماعة الإخوان ومواقعهم الإلكترونية تتناقل هذه الفتاوى، في إشارة واضحة علي أن طعن هذه العقيدة قد وصل حتى إلي قلب المشتغلين بالدعوة الإسلامية، مما يوضح مدي مصيبتنا وخسارتنا الضخمة من هذه الكارثة، ولكن مهما يكن الأمر ومآلاته فإن الله عز وجل قد عودنا في ديننا، ورأيناه وعايشناه نحن وغيرنا علي حد السواء، أن هذا الدين كلما حورب وشُن عليه الغارات فإنه يزداد صلابة، ويزداد أتباعه به تمسكاً، بل ويزداد عدد معتنقيه، ومن يجادل فليقرأ آخر الإحصائيات عن عدد المسلمين الجدد في أوروبا وأمريكا خاصة في انجلترا، عندها يتضح له اليقين، وسوف تذهب كل هذه الاقتراحات وأصحابها إلي مزبلة التاريخ.

ليست هناك تعليقات: