الثلاثاء، 27 أبريل 2010

أسرار صواريخ إيلات الغامضة

أسرار صواريخ إيلات الغامضة

مفكرة الاسلام: في عالم تتلاحق فيه الأحداث ، وتتداخل فيه الآراء والنظريات ، وتتشابك فيه المصالح ، وتتوافق أو تتضارب فيه الأهداف والغايات ، تظل الثوابت والمسلمات القرآنية، ورصيد التجربة التاريخية الضخمة للأمة ، خير عاصم من التفسيرات الخاطئة والتأويلات الساذجة والاستغفال الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام الدولية وأذنابها الناطقة بالعربية ، والتي أصبح شعارها دائم الاستعمال الآن هو الغموض ثم الغموض ، لطمس الحقائق ، واتهام الأبرياء ، وخنق المعارضين ، والتورية عن الجناة الحقيقيين .

جيش الاحتلال الصهيوني أعلن أمس 22 أبريل عن إطلاق صاروخين من طراز كاتيوشا باتجاه مدينة إيلات في أقصى جنوب الكيان الصهيوني الغاصب ، وقد قال المتحدث الإعلامي باسم الجيش أن الصاروخين ربما يكونا قد أطلقا من الأردن أو شبه جزيرة سيناء ، ولم يسفرا عن وقوع أي خسائر في الممتلكات أو الأرواح .

من خمس سنوات كانت سوريا

في 19 أغسطس سنة 2005 انطلقت ثلاثة صواريخ كاتيوشا علي إيلات وعلي سفينتين حربيتين أمريكتين في ميناء العقبة الأردني ، حيث سقط أحدها بالقرب من ميناء إيلات وقد أحدث خسائر مادية طفيفة ، أما الصاروخ الثاني فقد أصاب مخزناً تابعاً للجيش الأردني مما أدي لمقتل جندي أردني وجرح آخر ، في حين سقط الثالث في منطقة مفتوحة دون خسائر .

ويومها تضاربت الاتهامات بين اتهام القاعدة تارة ، وحركة حماس تارة ، وحركة الجهاد ، حتى وسعت دائرة الاتهام كل فصائل المقاومة المعروفة وغير المعروفة ، وعلي الرغم من مرور خمس سنوات علي تلك الحادثة ما زالت مقيدة ضد مجهول حتى كتابة هذه السطور ، مما عزز الاتجاه القائل بأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية هي التي دبرت ذلك الحادث لممارسة الضغط علي سوريا التي كانت وقتها تسمح بمرور مئات المجاهدين للأراضي العراقية لمحاربة الاحتلال الأمريكي عبر حدودها الطويلة والممتدة مع العراق ــ 600 كيلو متر ــ مما حدا بوزير الدفاع العراقي وقتها (سعدون الديلمي ) لوصف الحدود السورية العراقية بأنها عبارة عن 600 مشكلة للعراق مع جارته سوريا ، بسبب تسرب المجاهدين عبر الأراضي السورية ، وكانت القوات الأمريكية قد تكبدت في تلك الفترة خسائر كبيرة ، دفعتها للضغط علي سوريا عبر هذه الآليات والسياسات الخبيثة لضرب عدة عصافير بحجر واحد .

وبعد خمس سنوات مصر

وإن كانت سوريا المستهدفة بالعملية الغامضة التي وقعت سنة 2005، فإن مصر هي المستهدفة الآن من وراء هذه العملية ، فالعملية ليست غامضة كما يظن بعض من غاب عنهم الثوابت والمسلمات التي تفسر لنا كثيراً من الأحداث الغامضة ، وقد يري البعض ممن تستهويهم التحليلات الغربية ، ويثقون ثقة عمياء في كل يأتي من الجانب الأخر ولو كان يتعارض كلياً مع المنطق والمعقول ، أن نظرية استهداف مصر تحديداً بأمثال هذه العمليات الغامضة ، هو نوع من العبث الفكري والشطط التحليلي الناتج في الأساس من وقوع العقل العربي والإسلامي في أسر نظرية المؤامرة التي هي نوع من أنواع الاستسهال الفكري والاستراتيجي الذي يرمي كل مشاكل المنطقة وخروقاتها الأمنية علي العدو الصهيوني وحلفائهم الأمريكان .

وعلي الرغم من أن مصر تقدم خدمات جليلة للكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين ، لا تستطيع أي دولة في المنطقة أن تقدمها ، وعلي الرغم من أن مصر هي أول دولة توقع معاهدة سلام دائمة وتقيم علاقات طبيعية وكاملة مع الصهاينة ، وعلي الرغم من كل ما يقال عن الدور المصري في المنطقة ، وأثر ذلك علي مكانة وسمعة مصر عربياً وإسلامياً ودولياً ، إلا إن مصر ما زالت هي هاجس الصهاينة الأول والحقيقي ، وما زال الصهاينة يرون في مصر الخصم القادر علي مواجهتهم ومحاربتهم ، والعدو اللدود الذي لا يؤمن جانبه أبداً ــ علي الرغم من تحفظ واعتراض الكثيرين علي هذا الكلام ـــ وذلك لعلم الصهاينة اليقيني بالرفض المصري الشعبي الكامل للكيان الصهيوني الغاصب جملة وتفصيلاً ، لذلك فإن الصهاينة عندهم من الأسباب والأهداف الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والسياسية ما يبرر لهم الإقدام علي مثل هذه العملية التي لم تعد غامضة كما يظن البعض .

أولاً : الأهداف الاستراتيجية

إسرائيل تهدف من وراء عملية صواريخ إيلات الأخيرة تحقيق سبق استراتيجي علي مصر يضعها في خانة المدافع عن نفسه من تهمة وجود تنظيم القاعدة في عمقه الاستراتيجي في سيناء ، ونسيان الجريمة الإسرائيلية الكبيرة والضربة الشديدة التي حققتها الخارجية الإسرائيلية للحكومة المصرية ، ذلك أن الأيام الماضية قد كشفت عن أن الأزمة المائية المشتعلة حول الحصص المائية وتقسيم المياه ، بين مصر والسودان وهما دولتي مصب نهر النيل ، مع الدول السبعة الإفريقية وعلي رأسهم أثيوبيا ، وهم دول المنبع ، كان الصهاينة يقفون ورائها ، وهم المحرض الرئيسي لدول المنبع ، وأثبتت الحقائق والوقائع الملموسة صحة الدور الصهيوني في خنق مصر مائياً ، حتى أصبحت نذر الحرب تلوح بقوة بين مصر وأثيوبيا ، بسبب التحريض الإسرائيلي السافر لدول المنبع ، والدعم الفني والمالي الكبير المقدم من الصهاينة لتنفيذ مشروعات من شأنها حصار مصر وتعطيشها ، وكانت مصر قبل الإعلان عن حادثة الصواريخ الغامضة قد أعدت ملفاً بخصوص التدخلات الإسرائيلية في عمق مصر الإفريقي ، وكانت بصدد تصعيده دولياً وأمريكياً ، وقد وجهت تحذيرات ضمنية علي لسان متحدثها الإعلامي منذ يومين للدول التي تقف خلف الأزمة المائية الأخيرة ، من غير أن تسمي إسرائيل ، وبالقطع بعد الاتهامات الإسرائيلية الأخيرة لن تستطيع مصر أن ترفع ملفها المذكور أو أن تشتكي إسرائيل لا دولياً ولا حتى إقليمياً .

أيضا إسرائيل تهدف استراتيجياً من هذه العملية الاستعراضية التي لم تسفر حتى عن إثارة غبار الطريق ، لتهيئة المنطقة لعملية عسكرية يجرى التحضير لها منذ فترة ضد حركة حماس في غزة بعد الفشل الذريع والمذل للآلة العسكرية الصهيونية في حرب 2008 ، تمهد بها الطريق أمام عملائها في فتح مثل دحلان وعباس وفياض وغيرهم للسيطرة علي الداخل الفلسطيني والقبول بحل الدولتين وفقاُ للمفهوم الصهيوني والأمريكي .

الصهاينة أيضا يهدفون استراتيجيا من وراء هذه العملية لشغل الرأي العام الدولي والإقليمي عن إجراءات تهويد المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية ، وهي الخطوات والإجراءات التي وصلت لمرحلة شبه نهائية حتى أصبحنا كل يوم نخشى أن نستيقظ علي خبر هدم المسجد الأقصى ، وشروع الصهاينة في بناء الهيكل .

وكما يهدف الصهاينة أيضا لإظهار أنفسهم بمظهر الضحية التي تتعرض للتهديدات المتكررة والأعمال العدوانية المستمرة ، حتى من جانب الدول الصديقة ــ يقصدون بالطبع مصر ــ مما يدفع العالم المنحاز أصلاً للصهاينة لمزيد من الانحياز والدعم الكامل للأهداف والمشاريع الصهيونية ، ومزيد من المحاربة والتضييق علي الجانب العربي والفلسطيني .

ثانياً : الأهداف الاقتصادية

من أهم أدوات الجانب الصهيوني في التعامل مع الجانب المصري هو إضعاف المصريين مالياً واقتصادياً بضرب مصالحهم الاقتصادية ومصادر الدخل القومي المصري في مقتل بل في مقاتل عديدة ، فمن صفقات مريبة لاستيراد الغاز المصري بأقل من تكلفة إنتاجه مما يعود بخسائر ضخمة علي الجانب المصري ، لمشاريع مائية خطيرة تستهدف فتح قناة البحرين لربط البحر الأحمر بالميت ، وأخيراً من ضرب السياحة المصرية التي بدأت تشهد رواجاً وازدهاراً في الفترة الأخيرة بعد فترات طويلة من الركود بسبب الضربات و العمليات التي كانت تستهدف السياحة في مصر ، وأغلبها كانت عمليات غامضة لم يعثر فيها علي الجناة الحقيقيين ، وإسرائيل قد أطلقت تحذيرات أمنية مكثفة في الأيام السابقة من احتمال وقوع عمليات إرهابية في سيناء ضد السياح ، ولكن رد الفعل تجاه هذه التحذيرات كان ضعيفاً ولم تتأثر نسبة تدفق السياح علي سيناء التي هي أهم المناطق السياحية التي تدر دخلاً ضخماً علي الخزانة المصرية ، ومن ثم كان لابد من عملية من هذا الطراز الاستعراضي والتي تحدث الأثر المطلوب من هروب السياح مرة أخرى ، وما يعود من جراء ذلك من ضرر بالغ علي الاقتصاديات المنهكة للمصريين .

ثالثاً : الأهداف الأمنية

الصهاينة متخوفون منذ فترة من تزايد نسبة السياح الإسرائيليين الذين يحجون إلي سيناء باعتبارها من البقاع الدينية عندهم ، فلقد ارتفعت نسبة السياحة الإسرائيلية لسيناء في الفترة الأخيرة بقرابة 40 % ، بسبب التواجد الأمني المصري الكثيف بالمنطقة ، والتي أمنت المنطقة جيداً بسبب السياحة أولاً ، وبسبب كون شرم الشيخ المقر شبه الدائم للرئيس المصري ، وهذه الطمأنينة الأمنية دفعت بعشرات الألوف من الإسرائيليين لزيارة سيناء ، وهذا الارتفاع كان من شأنه أن يسعد الصهاينة لمنافعه الجمة عليهم من تحقيق اختراقات وتجنيد جواسيس ونشر مفاسد ومنكرات إلي آخر قائمة المفسدات الإسرائيلية ، ولكن مع تنامي التهديدات الفلسطينية من قبل حركات المقاومة بخطف السياح الإسرائيليين من سيناء ونقلهم إلي غزة عبر الأنفاق ، للمفاوضة عليهم والضغط علي حكومة نتياهو بهم ، وهذا الأمر لو وقع لسبب مشكلة أمنية خطيرة بإسرائيل ، فأرادوا منع حدوث أمثال هذه العمليات فأطلقوا تحذيرات أمنية عديدة ، فلما لم يكن حجم التجاوب معها علي المستوي المطلوب ، أطلقوا شائعة خطف أحد السياح الإسرائيليين الأسبوع الماضي ، وما استتبع ذلك من توجيه إنذار شديد اللهجة من رئيس المخابرات المصرية ( عمر سليمان ) لحركة حماس بعمل في غاية الحسم والقوة ، إن ثبت ضلوع حماس في هذا الخطف ، ثم تبين أنها مجرد شائعة ، مما أدي لحنق المسئول المصري والذي تترجم في رفضه للقاء السفير الإسرائيلي بمصر ، وإلغائه لعشاء عمل معه كان مقرراً من قبل ، فردت إسرائيل بمثل هذه العملية لتحقيق عدة أهداف أمنية مشتركة من ورائها ، ولتثبت للجانب المصري أن تحذيراتها لم تكن كاذبة ، وبالتالي تدفع الجانب المصري لمزيد من التضييق علي حركة حماس ، فيرتاح خاطر الصهاينة من فكرة خطف المزيد من الإسرائيليين .

رابعاً : الأهداف السياسية

إسرائيل ترقب منذ فترة الوضع الداخلي المصري والحراك السياسي المتنامي في أروقتها الثقافية والاجتماعية مع تعالي الأصوات المنادية بمزيد من الحريات وتداول السلطة وضرورة التغيير ، بعد أن كسر المصريون حاجز الخوف من الحديث عن هذه الملفات الشائكة والمحذورات السياسية ، هذا الحراك دفع الصهاينة للإدلاء بدلوهم في مزيد من تأجيج الوضع الداخلي وإثارة البلبلة بأمثال هذه العمليات الأمنية ، التي تطال ملف أمني وسياسي ملتهب في مصر و هو ملف البدو .

فإسرائيل عندما تتهم تنظيم القاعدة أو غيره من فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ من سيناء ، فهي تعلم علم اليقين أن الحكومة المصرية يترد علي هذا الاتهام بالنفي القاطع ، ولكنها أيضا تعلم أن حماة أمنية كبيرة ومكثفة ستشنها الأجهزة الأمنية علي دروب وأودية وجبال سيناء الكثيرة والمتشعبة ، وهي ما سيؤدي حتماً ولابد من صدام قوي ومباشر مع قبائل البدو المصرية التي تتواجد هناك ، ولها مشاكل كبيرة وعميقة مع الحكومة المصرية ، وتنتقد علي الدوام التعامل الأمني العنيف معها ، ولقد وقعت في الأعوام الأخيرة عدة اضطرابات عنيفة بين قبائل البدو من جهة والأمن المصري من جهة أخرى وصل لحد قيام عدة قبائل من البدو من التهديد بالهجرة إلي إسرائيل ، وقد تزايدت هذه المشاكل مؤخراً بعد بناء السور الفولاذي والضرر الأمني والاقتصادي الواسع الذي أصاب قبائل البدو نتيجة بنائه ، مما أدي لتفاقم المشكلة حتى عاد الملف البدوي أشد خطورة من الملف القبطي ، لحساسية وضع البدو ووجودهم علي الحد الفاصل مع الكيان الصهيوني الغاصب ، وهو ما لا تحتاجه الحكومة المصرية في هذه الآونة مطلقاً .